سلّمت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، جائزة السلام الدولية للعام 2025 للطفلة السورية، بانا العبد، وذلك خلال حفل عالمي استضافته العاصمة السويدية ستوكهولم.
وتبلغ قيمة الجائزة 50 ألف يورو تُمنح للفائز، إضافة إلى تمويلات إضافية لدعم مشاريعه وتأثيره المجتمعي.
ويأتي حضور كرمان بوصفها إحدى الشخصيات العالمية المؤثرة في مجال حقوق الإنسان، حيث دأبت المنظمة المانحة للجائزة على اختيار شخصيات دولية مرموقة للمشاركة في التكريم بهدف تسليط الضوء على المبادرات الشبابية الملهمة حول العالم.
وألقت توكل كرمان، كلمة مؤثرة خلال حفل تسليم جائزة السلام الدولية للأطفال 2025، احتفت فيها بثلاثة من أبرز المرشحين النهائيين للجائزة، الذين وصفتهم بأنهم أصوات لم تنتظر أن تكبر كي تصنع الفرق، بل اختارت أن تقود اليوم وتشكّل مستقبل الأطفال حول العالم.
وأكدت كرمان أن العام الجاري شهد أكثر من 200 ترشيح من 47 دولة، غير أن ثلاثة أطفال برزوا كنماذج لما عجز عنه كثير من البالغين: قول الحقيقة، والدفاع عن الحياة، ومنح العالم فرصة جديدة للسلام والعدالة والاستدامة.
وأشادت كرمان بالناشطة السورية بانا العبد، مؤكدة أنها ذاكرة وطن وضمير ثورة، وذكّرت بمعاناتها خلال حصار حلب عام 2016، وفقدانها لصديقتها ياسمين، ودورها العالمي في نقل معاناة الأطفال في سوريا ثم في غزة وأوكرانيا والسودان.
وقالت كرمان إن استمرار صوت العبد دليل على انتصار الإنسانية رغم الحرب.
وأثنت كرمان على مبادرة الناشطة الإندونيسية نينا التي بدأت نضالها منذ سن الثانية عشرة ضد استيراد نفايات البلاستيك من الدول الصناعية إلى دول الجنوب. ووصفتها بأنها صوت الجنوب العالمي الذي أسهم في دفع أوروبا لاعتماد سياسات جديدة تمنع تصدير النفايات البلاستيكية بحلول 2027، إضافة إلى مبادراتها البيئية الواسعة عبر مشروع “محاربو النهر”.
كما أشادت كرمان بالناشط الأميركي ديفيانش الذي قاد جهوداً شبابية واسعة ساهمت في إقرار 18 قانوناً بيئياً في ولاية كاليفورنيا، وتمثيل الشباب في مؤتمر المناخ “COP29”، وإطلاق مشروعات تعليمية ومؤسسية تعزز مشاركة الشباب في الحوكمة المناخية عالمياً.
وأكدت كرمان في ختام كلمتها،أن هؤلاء الأطفال الثلاثة رفضوا دور الضحية واختاروا موقع القيادة، معتبرة أنهم يمثلون ثلاث ثورات: ثورة للسلام، وثورة للكوكب، وثورة للعدالة”. كما أبدت ثقتها بأن رسالة الجائزة هذا العام “ستصل إلى العالم بأسره بفضل جهودهم.
وفيما يلي نص الكلمة:
السيدات والسادة،
الأصدقاء الأعزاء،
والأبطال الصغار الشجعان الذين يغيّرون عالمنا…
السلام عليكم جميعاً.
نجتمع اليوم للاحتفاء بثلاثة من أبرز الأصوات الشابة على هذا الكوكب —ثلاثة أصوات لم تنتظر حتى “تكبر” لتصنع الفرق، بل اختارت أن تبدأ الآن، وأن تقود الآن، وأن تشكّل مستقبلاً أفضل لأطفال العالم.
في عام شهد أكثر من 200 ترشيح من 47 دولة، نقف هنا مع ثلاثة متأهلين استثنائيين، كل واحد منهم قام بما عجز عنه كثير من البالغين:
قال الحقيقة، دافع عن الحياة، ومنح هذا العالم فرصة إضافية للسلام والعدالة والاستدامة.
وقبل أن نكرمهم، دعونا نصغي إلى قصصهم.
أولاً: بانا العبد — صوت الأطفال في الحرب
عزيزتي بانا العبد، ابنة حلب، شاهدة النار، وصوت الأطفال المحاصرين… أنتِ لست مجرد متأهلة للجائزة؛ أنت ذاكرة وطن، وضمير ثورة، ورسالة سلام خرجت من تحت الركام. نجوتِ من حصار حلب عام 2016—القصف، الجوع، الخوف. فقدتِ أحبة، من بينهم صديقتك المقرّبة ياسمين. وشهدتِ واحدة من أسوأ الجرائم ضد المدنيين في هذا القرن. وبدلاً من أن تنكسري… اخترتِ أن تنهضي.
أنرتِ العالم بكلماتك—من خلال التغريدات، اليوميات، الشهادات، والكتب التي تُرجمت لأكثر من 15 لغة. دعوتِ إلى رفع الحصار عن أكثر من 360 ألف مدني. وجعلتِ العالم يسمع صرخة: “قفوا مع حلب”.
واليوم، تواصلين الدفاع عن الأطفال المفقودين في سوريا وعن الأطفال المحاصرين في مناطق الحرب في غزة وأوكرانيا والسودان—لأنك تعرفين، أكثر من أي أحد، أن كل طفل في الحرب هو أنتِ، وأن قصته هي قصتك.
بانا،
أنت الحقيقة التي تؤكد أن الثورة السورية لم تكن حرباً أهلية، كانت—وما تزال—ثورة شعب يطالب بالحرية ضد آلة للدمار الشامل، ثورة تطالب بالمدارس بدلاً من البراميل المتفجرة، بالخبز بدلاً من الحصار، وبالحياة بدلاً من المقابر الجماعية، ثورة أشعلها الأطفال، قبل أن يلتحق بها الكبار.
واليوم، وأنت واقفة أمامنا، نقول: لقد انتصرتِ—لأن صوتك صمد، ولأن إنسانيتك بقيت.
ثانياً: أيشنينا (نينا) أزهرة أقيلاني — المقاتلة ضد الاستعمار البلاستيكي
عزيزتي نينا، من إندونيسيا،
أنت الدليل على أن العدالة البيئية ليست نقاشاً تقنياً—بل قضية حياة وكرامة. بدأتِ نضالك وأنت في الثانية عشرة حين اكتشفتِ أن جبال النفايات قرب منزلك لم تكن “نفايات محلية”، بل شحنات من البلاستيك القادم من بعض أغنى دول العالم. كتبتِ رسائل لزعماء العالم—بمن فيهم دونالد ترامب—تدعينهم فيها إلى التغيير. تحدثتِ في قمم دولية، ووقفتِ في الأمم المتحدة، وواجهتِ القادة العالميين. وصار نشاطك جزءاً من الصفقة الخضراء الأوروبية التي تحظر تصدير النفايات البلاستيكية خارج أوروبا بحلول 2027.
أسستِ "River Warriors"، ونظمتِ حملات تنظيف الأنهار، وأنشأتِ برامج توعية، وافتتحتِ متحفاً بيئياً للأطفال، وأصبحتِ صوتاً عالمياً يطالب:
“أوقفوا تصدير نفاياتكم إلى الدول النامية. أنهوا عصر البلاستيك.”
نينا،
أنت لست مجرد ناشطة بيئية— أنت صوت الجنوب العالمي الذي ينهض للمطالبة بالعدالة.
ثالثاً: ديفيانش أغراوال — صانع السياسات المناخية
وأنت، ديفيانش، من الولايات المتحدة، أنت مثال نادر لشاب لم ينتظر ليصبح صانع سياسات—بل أصبح واحداً فعلاً. بصفتك مؤسس Junior Philanthropists Foundation، حشدتَ أكثر من 10 آلاف شاب عبر 27 ولاية، وساعدتَ في تمرير 18 قانوناً بيئياً في كاليفورنيا، لحماية المياه، وتقليل الانبعاثات، والحفاظ على عشرات الآلاف من الأفدنة من الأراضي. مثّلتَ الشباب عالمياً في COP29، وشاركتَ في صياغة البيان الشبابي العالمي المقدم لقادة 160 دولة، وأدخلتَ التعليم المناخي إلى 20 ألف طالب في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وها أنت اليوم تعمل على بناء هياكل الحوكمة الشبابية العالمية، وتنظم مؤتمر الأمم المتحدة للشباب حول المناخ، وتساهم في تشكيل أول برلمان شبابي عالمي للمناخ.
ديفيانش،
أنت لا تحلم فقط بعالم أفضل— أنت تبنيه.
رسالة إلى المتأهلين الثلاثة
بانا… نينا… ديفيانش…
كل واحد منكم يحمل قصة مختلفة، لكنكم تشتركون في شيء عميق: رفضتم أن تكونوا ضحايا. اخترتم أن تكونوا قادة. أنتم تذكرون العالم أن الأطفال ليسوا مجرد “مستقبل”— بل قوة حاضرة، قادرة على مواجهة الحرب، والتلوث، والظلم، والجمود السياسي.
واليوم، أمام العالم، أود أن أقول:
نحن فخورون بكم.
نحن ممتنون لكم.
ونراكم قادة حقيقيين للغد.
ختاماً…
في العام الماضي، وصلت رسالة جائزة السلام الدولية للأطفال إلى 3.8 مليار شخص حول العالم. وهذا العام، مع هؤلاء المتأهلين الثلاثة، أنا واثقة أنها ستصل أبعد من ذلك.
أنتم لستم مجرد ثلاثة شباب… أنتم ثلاث ثورات: ثورة من أجل السلام، وثورة من أجل الكوكب، وثورة من أجل العدالة.
مبروك لكم جميعًا.
ومبروك للعالم بوجودكم.
شكرًا لكم.



