ألقت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، محاضرة في جامعة ستيلينبوش، في إطار مشاركتها في المؤتمر الدولي للشباب وندوات نوبل 2024، الذي ينعقد في جنوب أفريقيا بمناسبة مرور 30 عاما على طي نظام الفصل العنصري.
وقالت توكل كرمان إن اليمن كانت على وشك تطبيق نموذج دستور عظيم قبل الانقلاب عليه، خلال العام 2015.
وأضافت كرمان أن اليمنيين كانوا يناقشون دستور جنوب أفريقيا، وجعلوه نموذجا لهم.
ووصفت كرمان الدستور الجنوب أفريقي بأنه دستور عظيم؛ لأنه مَن صُنع بالدِّماء وبنضال الأباء والأجداد، ويجب حمايته والدفاع عنه.
وخاطبت كرمان الحاضرين بالقول إن هذا هو النضال الحقيقي؛ لأن الدستور يتضمن مواد واضحة للمساواة، ومنع التمييز بين الناس، وفصل النظام القضائي.
ولفتت كرمان إلى أنها عندما مارست الحق الديمقراطي في البلد، كانت قد اعتمدت على بعض مواد الدّستور، بينما بقية المواد فيه استخدمها الحاكم لنفسه.
وأشارت كرمان إلى معاناة اليمنيين في سبيل الدستور الذي يتضمن حقوقهم وحرياتهم ويمنع ديكتاتورية الحاكم.
وأوضحت كرمان أن مسؤولا أوروبيا زارها إلى مكتب منظمة "صحفيات بلا قيود"، خلال العام 2011، بعد اعتقالها من قِبل أجهزة نظام صالح، وقدَّم لها مجموعة من النصائح.
وأكدت كرمان أنه طالبها بالتوقف عن النشاط؛ لأنها وحيدة وفي مجتمع فقير، وفي ظل نظام متسلط وديكتاتوري؛ لكنها خاطبته بأنها ترى بأم عينيها قيادة الناس في الشوارع ضمن نشيد واحد ضد ديكتاتورية الحكام، وأن صوتها وصل إلى ملايين الناس.
وفيما يلي نص الكلمة:
السلام عليكم.. يسعدني ان أكون هنا مرة أخرى في جنوب افريقيا، كما قلت البارحة وقلت دوما اعتبر هذه البلد بلدي وحتى قبل أن أزوره، لماذا؟ لأنني شعرت بمعاناة الشعب هنا وقرأت عن معاناتكم حتى قبل أن أزوركم، فقد كان ومازال بطلي هو نيلسون مانديلا، أتذكر عندما بدأت رحلتي في النضال السلمي، وضعت صورته في غرفتي في مكتبي مع المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كينغ. أيضا انا فخورة بان في هذا البلد هو بلد ديزموند توتو الذي يعتبر واحدا من أهم الناس الذين ألهموني كيف أتحدث وأناضل من أجل الحرية، وكيف أقوم بالعمل السلمي، شكرا لكل أهالي جنوب افريقيا الذين أعطوا البشرية هذه الهدية العظيمة.
عندما حصلت على الدعوة لأتحدث عن الثلاثين سنة من الديمقراطية في جنوب افريقيا، وكيف يمكن للشباب الافارقة في جنوب افريقيا أن يظهروا القيادة، فقلت نعم أنا أحب هذا الموضوع لان هذا بالضبط ما قمت به خلال رحلتي في النضال من أجل حقوق الانسان. هذا بالضبط ما قمت به عندما قررت ان أكون ناشطة حقوق انسان، عندما قررت أن أكون مواطنة جيدة في بلدي، عندما قررت أن أكون صحفية جيدة. فأول ما نظرت إليه هو ما هي الأشياء التي يمكن أن آخذها وأجعلها مرجعي خلال عملي لتحقيق حلم شعبي وحلمي بالحرية والعدالة والديمقراطية وسيادة القانون. رأيت دستورنا، الدستور اليمني بغض النظر عن الإشكالات التي فيه ولكن لأنه كتب كنتيجة لاتحاد شمال اليمن وجنوبه مؤسسيه كتبوا نقاطا هامة وحقوقا مهمة. إذا هو الدستور اليمني والذي كان نتيجة الوحدة العظيمة بين الشمال والجنوب، وواحد من أهم الأمور التي ضمنها الدستور هي الحقوق الأهم، حق التعبير عن الرأي، حق التجمع، وهذا أهم أمر. حق التعبير عن الرأي وحق التجمع لماذا؟ لأنه من خلال هذين الحقين بإمكانك ان تمارس الحقوق الاخرى، فإذا أخذت هذين الحقين من أي مواطن ستتهاوى الحقوق الأخرى نتيجة لذلك.
إذا لم يكن هناك حقوق أخرى في بلدي، لكن بهذين الحقين قلت نعم لدي حقين مهمين في الدستور يمكن ان أمارسهما بغض النظر ما إذا قبلت الحكومة أو رفضت، فأنا هنا استخدم حقي الدستوري، لذلك بدأت رحلتي كصحفية بمقالات قوية جدًا ضد الديكتاتور، وعندما كان أحد يحاول لومي كنت أقول أنا استخدم حقي الدستوري، ولذلك أنشأت منظمتي والتي كانت تحمل اسم "صحفيات بلا حدود" في ذلك الوقت. وعندما بدأت منظمتي "صحفيات بلا حدود"، الحكومة والديكتاتور نفسه كان خائفا جدًا ومنزعجا منها، وقال إنها تقوم بالكثير من الازعاج وهي صحفية، فكيف الآن وقد أسست هذه المنظمة. أخذنا الأوراق الرسمية وقتها وحصلنا على التراخيص، ولكن بعد ان اكتشفوا الأمر، عادت الحكومة وأغلقت المنظمة وسحبت تراخيصها. وقالوا لي إذا أردت أن تنشئي منظمة اعملي منظمة أخرى وليس "صحفيات بلاحدود"، وقالوا تعالي إلينا وطلبني الأمن الوطني وقال تعالي يمكن أن نساعدك على إنشاء منظمة جديدة وحتى بالإمكان ان نمولك وسنعطيك الترخيص من جديد. فقلت لهم لا. لا احتاجكم. لا أحتاج تراخيصكم وسواء اعطيتموني ترخيصا ام لا فأنا سأمارس حقي الدستوري، وأنشأت منظمة جديدة اسمها "صحفيات بلاقيود".
عندما نتحدث عن حرية التعبير عن الرأي نتحدث عن حرية الحديث، الكتابة، الطباعة، أن يكون لديك ملكية وسائل الاعلام الخاصة بك، وممارسة حق التظاهر، الاعتصامات، والأنشطة. فأنا مارست كل هذا بما فيها التظاهرات والاعتصامات، وقالوا لي من فضلك عليك أخذ الإذن والترخيص من الحكومة وأجهزة الامن للتظاهر، فقلت لهم هل أنا مجنونة أن آخذ إذنكم. أولا لن تعطوني هذا الأذن، ثانيا هل ستجعلونني أساعدكم في الحد من حقي الدستوري المكفول دستوريا، الذي يقول إنه لدي حق أن أُعلمكم وليس أن آخذ إذنكم، وانما فقط أرسل لكم أني ذاهبة لهذا الاعتصام او ذاك، بحيث تستطيعون ان تقومون بعملكم وواجبكم وهو حفظ أمن المتظاهرين، أنا لن اطلب إذنكم ولن أقوم بنفس الامر التي تقوم به الأحزاب السياسية، فمعظم الأحزاب السياسية تدعمكم بشكل غير مباشر حتى ولو هم في المعارضة، لأنهم يقبلون بهذا النوع من الحدود التي توضع على الدستور نفسه.
بعدها عملت اعتصامات كثيرة ومظاهرات كل يوم ثلاثاء أمام مجلس الوزراء منذ العام 2006 وحتى 2011 عندما أعلنا الثورة السلمية في اليمن، وحتى قبل الثورة مارست حقي الدستوري وأقنعت الناس في اليمن أن هذه الطريقة الوحيدة للنضال من أجل حقوق الانسان وأي مطالب قانونية لديهم. نعم نحن ننتمي الى مجتمع مسلح ولدينا اكثر من 70 مليون قطعة سلاح لكن نستطيع القيام بهذا، ولم نعتمد على السلاح والعنف فهو ليس الطريق الوحيد للحصول على حقك أو المطالبة بما تريد، هناك طرق أخرى، النضال السلمي، ارفع صوتك، اذهب الى الشوارع بالورود، لا تقبل العنف، وعلّم الناس كيف يستخدمون طرق اللاعنف للتظاهر والاعتصام. هذا كان صعبا جدا في البداية وكنت أنا الوحيدة، ودوما كنت المرأة الوحيدة المجنونة لان الديكتاتور نعتني بالمرأة المجنونة، لا تصدقوا هذه المرأة المجنونة، هي فقط امرأة فهل سيتبعها المجتمع، وهل سيقبل حكم امرأة؟ وماذا عن امرأة مجنونة تذهب الى الشارع تطالب الناس بأن يكونوا ضدي؟ وهذا بالضبط ما فعلته، ذهبت للشوارع وطالبت الناس في اليمن ليذهبوا معي الى الشارع ويرفعوا صوتهم وإنقاذ اليمن. ذهبت الى جامعة صنعاء العديد من المرات أمام البوابة وقلت لهم استيقظوا يا طلاب علينا ان ننقذ اليمن.
استخدمت ميكرفونا صغيرا يستخدمه الباعة في اليمن لبيع البطاط والطماطم، وكنت الوحيدة وقتها وملايين اليمنيين النساء والرجال تبعوني، وتبعوا مطالبتي لأجل العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية، وملايين أصبحوا قياديين أكثر مني، انا فقط من أوقدت شعلة المطالبة بحرية التعبير، حرية الرأي، حرية الصحافة، أن يكون لنا حقوق ديمقراطية أن يكون كل شخص قادر على الوصول الى حقوقه الاساسية، كالتعليم، والصحة، ناضلنا ضد الارهاب، والفساد، والسلاح الوحيد الذي كان معي في ذاك الوقت قلمي وميكرفوني.
مرة أخرى ماذا فعلت. تظاهرت وأظهرت قيادة المواطن من خلال الدستور، وهذا ما أطالب به هنا في جنوب افريقيا، أطالب الشباب النساء والرجال وكل مواطن مارسوا مواطنتكم من خلال دستوركم العظيم، دستور جنوب افريقيا، والآن هي الذكرى الخامسة والعشرين لهذا الدستور، وتحتفلون أيضا الآن بالذكرى الثلاثين للتخلص من نظام الفصل العنصري، وهذا أفضل دستور في العالم، عليكم ان تعتنوا به.
عندما مارست حقي كمواطنة من خلال الدستور كان لدي فقط بعضا من المواد الدستورية التي استطعت الاعتماد عليها بينما بقية المواد الأخرى كان الديكتاتور بنفسه هو من قام بصياغتها لتكون في صالحه وتحافظ على وجوده في السلطة وتمنع المساءلة ضده. إذا موادا قليلة جدا في دستورنا استطعت أن اعتمد عليها. لكن ماذا عنكم؟ لديكم هذا الدستور الهام العظيم الذي صُنع بالدماء، دماء آباءكم وأمهاتكم، أجدادكم وجداتكم، هذا الدستور يجب عليكم ان تحموه وان تدافعوا عنه، يجب أن لا تملوا منه، يجب أن تحملوا الأمل بان هذا الدستور سيتم تنفيذه في كل يوم وفي كل دقيقة وفي كل ثانية. هذا هو نضالكم إذا لا تقولوا: لا وماذا أعطانا الدستور وماذا أعطتنا الديمقراطية. لا تسألوا هذا السؤال، فالخطأ ليس خطأ الديمقراطية وليس خطأ الدستور، ولكن الخطأ يحدث عندما يتم ممارسة نصف ديمقراطية أو لا يتم تطبيق هذا الدستور العظيم، فهذه هي المشكلة.
عندما سمعت بعض الشباب يقولون يا إلهي ما هذا؟ ولسوء الحظ بعض الشباب ينشر هذا الشعور باليأس بين الناس. هنا أنت تخون دماء أجدادك وجداتك آباءك وأمهاتك، ودمك أنت أيضا، أطفالك وكل الأجيال عندما تعبر عن أي شعور بالندم أو الشك في ديمقراطيتك ودستورك. الرسالة الوحيدة التي عليكم أن تقوموا بها، كل شخص هنا وبالذات الشباب، عليكم أن تحموا دستور جنوب افريقيا وديمقراطيتها، وعليكم ان تحموا هذا الدستور، دستوركم، وعليكم كما ألهمتهم الناس في أنحاء العالم بهذا النضال السلمي "اللاعنف" يجب أن تلهموا الناس بدفاعكم عن دستوركم وتحويله من نص إلى شيء واقعي، شيء ملموس من الحكومة ومن كل السلطات والمواطنين أنفسهم. اعملوا على تنفيذ دستوركم ولا تدعوا أي تشريع او مشرّع ولا أي مستوى من مستويات التشريع يكتب أي مواد تحد من الدستور، فهذا ما حدث في بلدنا، حيث كان لدينا دستورا عظيما ولكن القوانين أتت ضد هذه الدساتير. إذا عليكم ان تنتبهوا بهذا الامر، راقبوا برلمانكم والجهات التشريعية لديكم وامنعوهم من أن يقوموا بأي شيء يحد من حقوقكم.
لماذا دستوركم عظيم، لديكم أهم وأوضح تفاصيل تتعلق بحقوق الانسان والتي تضمن الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. لديكم موادا واضحة تضمن المساواة وتمنع أي نوع من أنواع التمييز بين الناس على أساس العرق أو اللون أو اجتماعيا.. الخ، لديكم موادا واضحة تضمن فصل النظام القضائي وهذا أمر مهم، ولديكم موادا واضحة أخرى، وهناك نقطة واضحة أعاني بسببها كثيرا ومازلت أناضل من أجلها وهي "المساءلة". الناس الذين في السلطة يجب أن يساءلوا من قبل الشعب، نعم يجب ذلك، بحيث أن المساءلة الموجودة ضمن هذا الدستور هو شيء ملحوظ، فبدءا من الرئيس والوزير إلى كل المسؤولين الرفيعين يمكن لكم ان تساءلوهم من خلال البرلمان، من خلال النظام القضائي، من خلال الكثير من الأدوات، ليس لدى أي حد حصانة، فلديكم دستورا قويًا. لذا مرة أخرى هل تتساءلونهم؟ هذا سؤال مهم. هل لديكم نقصا في الدستور؟ لا. هل تمارسون حقوقكم في مساءلتهم؟ لماذا هناك الكثير من الفساد في جنوب افريقيا، لأنكم لا تطبقون الدستور.
إذا مرة أخرى إلى الشباب، عليكم الدفاع عن افريقيا وجنوب افريقيا بالذات والدفاع عن دستوركم ولديكم الكثير من الأدوات بين أيديكم، ولديكم الكثير من التحديات، الكثير منها، واحد منها كما قلت سابقا هناك فجوة بين التنفيذ والحق الذي لديكم في الدستور. إذا عليكم ان تقوموا بشيء ما لجعل هذا البلد عظيم لأنه يستحق ذلك.
هناك أمر آخر، وهي الفجوة بين الغني والفقير، ليس فقط في جنوب افريقيا ولكن في كل مكان على وجه الكرة الأرضية، لكن هنا في جنوب افريقيا الفرق كبير بالمقارنة مع أي مكان آخر، هذه هي العولمة وهذا ما أعطتنا إياه، ففي حين أدعم العولمة لكنها أعطتنا هذه الفجوة الكبيرة بين الدول الغنية والفقيرة، وعلينا ان نقوم بشيء ما لكي نقلّص هذه الفجوة بين الدولة الغنية والفقيرة، وكما قلت دوما الدول الغنية عليها أن تجبر من خلال آليات ملزمة من أجل أن تخصص نسبة من دخلها الوطني ويعطى للدول الفقيرة للتنمية، لمحاربة الفقر، والتغير المناخي، وكل شيء. لكن طبعا ولسوء الحظ هذه الآلية الملزمة ليس لدى الأمم المتحدة السلطة او القدرة على تنفيذها وإلزام الدول الغنية بها. لكن هنا في جنوب افريقيا يجب أن تقلصوا الفجوة الضخمة بين الأغنياء والفقراء من خلال آليات بحيث تضمن سلامة البلد، واستقراره، ويمكن أن تتضمن ضرائب جيدة أو أي آليات تنفيذ أخرى يمكن لها ان تقود إلى إعادة توزيع الثروة لضمان العدالة الاجتماعية، والقدرة على الوصول الى كل الخدمات بالذات التعليم والصحة.
إذا لديكم انجاز عظيم في تاريخكم وفي حاضركم، ولديكم تحديات، ولكن من يستطيع أن يقوم بهذا؟ الشباب يجب أن يقول أنا، أنتم من يجب أن يقول نحن، الشعور بالمسؤولية، مسؤولية حل المشاكل المحيطة بكم هي الحل الأساس لكل المشاكل الموجودة في مجتمعكم. هل تعتقدون أنكم ضعفاء؟ أن ليس لديكم القدرة على القيام بهذا؟ أنتم مخطئون تماما وبالذات الشباب وخصوصا الصغار في العمر، لديكم كل الإمكانات لصنع التغيير في جنوب افريقيا، في افريقيا، وفي كل انحاء العالم. لديكم هذه القدرة لكن عليكم ان تشكروا الله على كل شيء حولكم، عليكم أن تشكروا الفرص التي لديكم اليوم والتي لم تكن لدينا، فبوجود الثورة التكنولوجية السريعة لديكم وسائل التواصل الاجتماعي، لديكم منصات، لديكم دستور أيضا، إذا لديكم كل شيء لا تقولوا نحن لا نستطيع القيام بهذا. لا، أنتم تستطيعون.
انا امرأة جئت من مجرد محافظة في اليمن، بدأت رحلتي وحدي وكان الناس يضحكون علي ويقولون مجنونة، ولكن استطعت فعل هذا، وما زلت أؤمن أنني أستطيع تكرار هذا. أتعرفون بعد هذه الثورة السلمية العظيمة عندما أخذوني إلى السجن وبعد ذلك أطلقوا سراحي أحد أصدقائي وهو أوروبي أتى وزار منظمتي وقال توكل من فضلك توقفي أنت وحدك لا تقومي بهذا سيعتقلونك مجددا، اليمنيون لن يؤمنوا بك ولن يتبعوك، هذا بلد فقير، هم فقراء هم فقط يريدون الطعام، وستبقين وحيدة وستموتين وحيدة. فقلت له: مارك، اسمع، صدقني رأيت هذا بأم عيني بأني سأقود الشوارع في اليمن والنساء والرجال تحت هتاف واحد ضد الديكتاتور علي صالح. وعندما ذهبت إلى الشارع وذهبنا إلى الثورة وصل صوتي إلى ملايين الشعب اليمني وذهبنا إلى الشوارع وجلست في الخيمة لتسعة أشهر ابتداء من فبراير 2011 حتى قدم الديكتاتور استقالته في نوفمبر 2011، وقبل ذلك ذهبت للحصول على جائزة نوبل عندما أعلنوها. لأني لم أكن أؤمن بنفسي فقط، وبقيادتي وحدي، ولكن لأنني أيضا آمنت بالشعب اليمني. إذا لا تقلل من شأن شعبك بأنهم لا يفهمون وهم فقراء يا إلهي انا وحدي. لا لست وحدك، ولكن صوتك لم يصل لهم بشكل جيد. أنت لست وحدك إعتنقهم واعتنق قضيتهم، أقنعهم بغرضهم في الحياة، كل الشعب اليمني ذهب إلى الشوارع بهتاف واحد لإجبار الديكتاتور على الاستقالة، واستقال. تخيلوا كان لدينا 70 مليون قطعة سلاح لم نستخدم طلقة واحدة ضد الديكتاتور، استقال فقط بسبب أغانينا واناشيدنا والموت أمام دبابته، وعندما استقال أول ما قمنا به كتبنا دستورا جديدا. وعلى فكرة كنا نناقش دستوركم، دستور جنوب افريقيا، وجعلناه نموذجا يجب اتباعه، أيضا صنعنا نصرا عظيما في هذا السياق، قمنا بعمل فترة انتقالية عظيمة بغض النظر عن الأخطاء التي حدثت والنواقص، لكن قمنا بهذا وكتبنا مسودة دستور عظيمة. ولكن ماذا حدث؟ بسبب هؤلاء الذين خافوا من الدستور القوي الحامي للمواطنين، هم من قاموا بالانقلاب، صنعوا الانقلاب لأنهم فقط لا يريدوننا. كانت فقط أيام تفصلنا عن اخذ مسودة الدستور للاستفتاء العام، لكنهم أرادوا إيقاف هذه الخطوة العظيمة، فمليشيا الحوثي التي كانت ومازالت تخاف من الدستور، وهي ميليشيا عنصرية من قامت بهذا الانقلاب المسلح. وعندما قرأت كيف أن جنوب افريقيا عانت من التمييز العنصري، نحن الآن في اليمن نعاني من نوع من هذا التمييز، لماذا؟ بسبب ميليشيات الحوثيين لأنهم عنصريون يريدون ومازالوا يمارسون العنصرية وتقسيم البلد على الأساس العرقي وأيضا القطاع الجغرافي الذي يحكمونه.
نحن مازلنا نناضل من أجل حريتنا، والعدالة والديمقراطية، ربحنا المعركة ضد الديكتاتور، ولدينا معركة أخرى ضد العنصريين والمجموعات العنصرية. ولدينا معركة أخرى ضد الاحتلال السعودي والاماراتي، وهذا تحد آخر، وهو تحد يواجه كل الشعوب التي تناضل فعلا وتحلم بالحرية والعدالة، الأمر لا يأتي بسهولة. إذا مع الثورة العظيمة تبعها الثورة المضادة التي قادتها السعودية والامارات وإيران، هذه الدول الثلاث لا تريد الديمقراطية للمنطقة العربية، لا يريدون ذلك.
إذا الديمقراطية هي الوحش بالنسبة لكل الأنظمة السلطوية، كما قلت البارحة ان الديمقراطية هي الحل من أجل الحرية، من أجل انهاء الحروب والنزاعات والظلم، وعلينا ان نعمل بجد من أجل الديمقراطية. أمر آخر نواجهه كتحد ويتمثل في المؤامرة من قبل الخارج، الدول الديمقراطية الغربية في طرف، والأنظمة السلطوية ضد حقوق الانسان طرف مقابل. الدول الديمقراطية الغربية التي قالت إنها من ستحمي الديمقراطية هي نفسها من يشارك ويتحالف بشكل مباشر وغير مباشر مع ديكتاتوريات بلادنا. ونفس الامر هو ما تواجهونه هنا في افريقيا وواحد من التحديات هي أنكم تواجهون هذا الميراث للقوى الاستعمارية والمتمثل في حماية هؤلاء الديكتاتوريين، وقلت هذا البارحة وسأقوله كل يوم. إذا الديمقراطية ليس ضد السيادة، الديمقراطية والسيادة وجهان لعملة واحدة. إذا أراد أي شخص من قيادات الانقلاب العسكرية اقناعكم بانه قام بهذا الانقلاب ضد هذا النظام او ذاك بحجة أنه يريد السيادة، لا تصدقونه وقولوا له أنت كاذب لان هذا ليس الحل. الحل يجب أن يكون على أساسكم أنتم، يجب أن تحموا ديمقراطيتكم، لا توجد ديمقراطية تحت حكم أي انقلاب عسكري، وهذا ما نواجهه في بلادنا اليوم. وتعرفون لدينا نفس الإشكال في مصر مثلا. في السودان اليوم الذين يواجهون حربا أهلية بسبب الانقلاب العسكري الذي صنع هذه المؤامرة ضد ثورة الشباب. في تونس أيضا لديهم انقلاب دستوري ضد رغبة الناس، إذا يجب أن تناضلوا وتدافعوا عن ديمقراطيتكم، أنتم الحل وليس الانقلاب العسكري وليست الصين ولا روسيا ولا حتى الدول الغربية الديمقراطية التي تدعي بأنها ترى الديمقراطية مهمة بينما في الوقت نفسه تدعم الديكتاتورية وتساعدهم في سرقة ثرواتكم. عليكم أن تقوموا بعمل شراكة جيدة مع كل بلد سيخدمكم ويخدم مصالحكم ومصالح بلدكم، شراكة وليس أي شكل جديد من الاستعباد.
أخيرا، هنا مع هذا الفخر العظيم والشكر الكبير لجنوب افريقيا كبلد، كشعب، كحكومة واعلام ومنظمات وكل شيء في جنوب افريقيا شكر جزيل لكم، شكر كبير على دعمكم للقضية الفلسطينية. لقد قمتم بعمل عظيم عندما أخذتم هذه الخطوة الشجاعة لجر إسرائيل الى المحكمة على أساس جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، فهذا أمر محط اعجاب لكثير من الأمور، فأنا كنت أتوقع ان تحدث هذه الخطوة من قبل الدول التي ادعت انها ديمقراطية وتدعم الديمقراطية، ولكن عندما وصل الأمر ان جنوب افريقيا والتي تعاني من الكثير من المشاكل، هي من قامت بهذا الامر فهذا هو المعنى الحقيقي للشجاعة، وهو المعني الحقيقي للتضامن، وهو المعنى الحقيقي للشعور بالشعوب الأخرى والتعاطف معها. اذا اشجعكم وأحثكم على أن تفتخروا بهذا بغض النظر ان كنتم من الحزب الحاكم أو حزب المعارضة فهذا الامر يجب أن تكونوا فخورون به، وهذا الجيل الذي يعيش الآن عليه أن يرفع رأسه عاليًا، ارفعوا رؤوسكم قولوا نحن ننتمي لهذا الجيل الذي جر إسرائيل إلى المحكمة جراء ما قامت به ضد الشعب الفلسطيني، يجب ان تفتخروا بأنفسكم، يجب أن تكونوا فخورين بأنفسكم، لا تخافوا واستمروا في عملكم هذا وبهذه المنهجية، هناك الكثير من الدول ستتبعكم، وقد تبعتكم الآن، فتابعوا هذا الامر، فالعدالة ستستمر. الظلم لن يستمر، والمستقبل هو للحرية والعدالة والديمقراطية في هذا العالم، وصدقوني ما بقي هنالك ظلم وتمييز وسلطوية واضطهاد سيكون هناك أشخاص عظماء شجعان سيقفون في وجه هذا كله وسيضحون وسيحققون العدالة، الديمقراطية، الحرية، وحكم القانون. شكرا جزيلا.