دعت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان الحكومات وقادة العالم إلى الاستثمار في التعليم، وبالأخص في تعليم الفتيات، مؤكدة أنه استثمار لرخاء الأمم.
وقالت توكل كرمان في كلمتها خلال متندى المرأة العالمي 2023 في باريس: لقد آن أوان بلورة الخطابات الى أفعال، وضمان الحكومات لحصول كل فتاة على تعليم جيد أياً كانت ظروفها، فمستقبل الأمم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتعليم نسائها وبناتها. تبنوا سياسات التمكين لا القهر، ولتتكفلوا بدعم المعلم وضمان أن تكون المدارس هي ملاذات المعارف لا ساحات المعارك.
وتابعت كرمان: إن تمكين الفتيات تعليمياً بقدر ما هو التزام أخلاقي هو ضرورة اقتصادية كون الأمر لا يقتصر على تعليم المرأة فقط بل يتجاوزها الى الارتقاء بالمجتمعات ككل، وهو محفز للنمو الاقتصادي ويكسر قيود الفقر ويخلق مستقبل أكثر استدامة.
وأضافت كرمان: علاوة على ذلك، فإن لتعليم الفتيات فوائد عابرة للأجيال تبدأ من تقليص معدلات وفيات الأطفال إلى مكافحة الأمراض وحتى منع زواج القاصرات، وبالتالي فالتعليم هو المفتاح لمستقبل أكثر إشراقاً للجميع.
واستطردت كرمان: لقد آن الأوان، والرحلة نحو التعليم هي رحلة نحو التمكين والمساواة ومستقبل أكثر إشراقا. فلنكن نحن مهندسو التغيير، ولننحت عالماً بمقدور كل فتاة فيه ان تسعى لتحقيق أحلامها دون أن يثقل كاهلها التمييز أو الصراع.
وأردفت كرمان: لا أتصور وقتاً أكثر أهمية من الآن لإعطاء الأولوية لحماية التعليم، فما يهدد التعليم لم يعد مقتصراً على الدول الفقيرة أو الدول التي تشهد حروباً، بل امتد إلى الدول الغنية والمستقرة منذ تفشي كوفيد-19.
وأشارت كرمان إلى أن حماية التعليم تعني دعم المعلمين، وتمويل المدارس، والعناية بصحة الطلاب الجسدية والعقلية، ويعني وجود عدالة اقتصادية تسمح للآباء بإرسال أطفالهم إلى المدرسة. ويعني تحقيق السلام المستدام. كما يعني اتخاذ تدابير جماعية لحماية التعليم من التهديدات والمخاطر المحتملة كـ الإرهاب والحرب والطغيان والصراعات المسلحة والتطرف، وكذلك من الفقر والأمراض.
وقالت كرمان: دعونا نتذكر أن التعليم، إلى جانب أنه نقل للمعرفة، هو أيضاً بوابة للتمكين والمساواة والسلام؛ إنه قوة عابرة للحدود تجمع الناس على اختلاف مشاربهم في مسعى مشترك لتحقيق التقدم.
وفيما يلي نص الكلمة:
كلمة توكل كرمان في اللقاء العالمي لمنتدى المرأة 2023 - باريس
السيدات والضيوف الكرام.. أقف أمامكم اليوم متضامنة لمعالجة مسألة ذات أهمية قصوى تتمثل بتعليم الفتيات والنساء، فالتعليم ليس فقط حق مكفول، بل هو أيضاً حافزاً قوياً نحو التغيير والتقدم والسلام.
في أجزاء كثيرة من العالم، تُحرم ملايين الفتيات من فرصة التعلم، ومعه تتسع دوائر اللامساواة. لأننا بحاجة إلى التأكيد الواضح على حق الفتيات -تماماً كما الفتيان– في الحصول على التعليم، فتعليمنا لهن يمنحهن القدرة على اتخاذ خيارات واعية، مما يوسع آفاق الفرص أمامهن وأمام أسرهن ومجتمعاتهن ودولهن.
إننا أمام إحصائيات صارخة، فهناك حوالي 61 مليون فتاة خارج المدرسة تقف بطريقهن معوقات كـ الأعراف الثقافية، والفقر، والتمييز، ما يجعلنا أمام حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي أن احتمالات ترك الفتيات للمدارس مقارنة بالفتيان من ذات الخلفية تساوي أربعة أضعاف، وهذا ليس مجرد ظلم بحقهن، بل فرصة ضائعة للنمو والازدهار المجتمعي.
إن تمكين الفتيات تعليمياً بقدر ما هو التزام أخلاقي هو ضرورة اقتصادية كون الأمر لا يقتصر على تعليم المرأة فقط بل يتجاوزها الى الارتقاء بالمجتمعات ككل، وهو محفز للنمو الاقتصادي ويكسر قيود الفقر ويخلق مستقبل أكثر استدامة.
علاوة على ذلك، فإن لتعليم الفتيات فوائد عابرة للأجيال تبدأ من تقليص معدلات وفيات الأطفال إلى مكافحة الأمراض وحتى منع زواج القاصرات، وبالتالي فالتعليم هو المفتاح لمستقبل أكثر إشراقاً للجميع.
وعليه، فالمعوقات لا تزال كثيرة كالفقر، وعمالة الأطفال، ونقص المرافق الصحية، والصراعات، والعنصرية، وحالات الطوارئ، وكل ذلك جزء من تحديات كبيرة تحول دون حصول الفتيات على التعليم، ما يضع على عاتقنا جميعاً مسؤولية إزالة هذه الحواجز وتمهيد الطريق لمستقبل زاهر لكل فتاة. لا يمكننا إغفال أشكال المعاناة التي تواجهها الفتيات وهن يجدن أنفسهن بلا تعليم جراء الصراعات التي تسببت بانهيار الأنظمة التعليمية وتدمير المدارس.
إن ما تواجهه الفتيات المسلمات في فرنسا من تمييز هو أيضاً تنبيه واضح بأنه حتى داخل المجتمعات التي تتباهى بالقيم العلمانية يجد التحيز لنفسه مكاناً في السياسات التي تؤثر بشكل مباشر على تعليم الفتيات، وهذا يتطلب دعوة لمكافحة الإسلام-فوبيا وإعادة التأكيد على قيم المساواة والمواطنة التي ينبغي أن تكون موجهاً للمجتمعات الحديثة.
ونحن نخوض غمار هذه التحديات دعونا نتذكر أن التعليم، إلى جانب أنه نقل للمعرفة، هو أيضاً بوابة للتمكين والمساواة والسلام؛ إنه قوة عابرة للحدود تجمع الناس على اختلاف مشاربهم في مسعى مشترك لتحقيق التقدم.
حماية التعليم:
لا أتصور وقتاً أكثر أهمية من الآن لإعطاء الأولوية لحماية التعليم، فما يهدد التعليم لم يعد مقتصراً على الدول الفقيرة أو الدول التي تشهد حروباً، بل امتد إلى الدول الغنية والمستقرة منذ تفشي كوفيد-19. وحماية التعليم تعني دعم المعلمين، وتمويل المدارس، والعناية بصحة الطلاب الجسدية والعقلية، ويعني وجود عدالة اقتصادية تسمح للآباء بإرسال أطفالهم إلى المدرسة. ويعني تحقيق السلام المستدام. كما يعني اتخاذ تدابير جماعية لحماية التعليم من التهديدات والمخاطر المحتملة كـ الإرهاب والحرب والطغيان والصراعات المسلحة والتطرف، وكذلك من الفقر والأمراض.
على المستوى الشخصي، لا أرى تهديداً الآن أخطر من استمرار الحرب. وكمواطنة يمنية أولويتي لحماية التعليم هي إنهاء الحرب ومحاسبة الأطراف المتحاربة وإعادة بناء المدارس ودعم المعلمين والطلاب. والأهم من ذلك، خلق وتنفيذ آليات تعليمية للمساعدة في سد الفجوة الناجمة عن التسرب المدرسي خلال سنوات الحرب، فضمان حمايتنا للتعليم اليوم هو حماية لنا غداً.
رسالتي إلى النساء والفتيات، قادات اليوم والغد: أود اغتنام هذه اللحظة لأخاطبكن مباشرة – يا من تمثلن القوة المؤثرة والمرنة والرائعة وراء تشكيل مصير الأمم. إن سعيكن للتعليم أبعد من مجرد رحلة خاصة بكن، إنها منارة الأمل التي تنير الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقاً لنا جميعا.
إليكن يا من اكتوين بنار الحروب والصراعات والتمييز خارج بلدانهن، وذقن مرارات حياة النزوح والتشرد. إن صمودكن لأمر ملهم حقاً، ولا تنسين بأن التعليم درع لـكُن ووقاية من الشدائد، فهو مفتاح لبوابات الفرص ومزيل لحواجز التمييز.
فلتقفن شامخات بوجه الحرب تماما مثلما تفعل نظيراتكن الرائعات في اليمن وغزة، وليكن تعطشكن للمعرفة شهادة على قوتكن فتصير أصداء الدمار لحناً تعزفه قيثارة صمودكن. إن تعليمكن ليس انتصار لكن فقط، بل هو انتصار لعائلاتكن ومجتمعاكن والعالم كله أيضاً.
إليكن يا من تعانين من التمييز، وبالأخص فتيات ومسلمات فرنسا، فلتعلمن بأن حقكن في التعليم غير قابل للمساومة، وان قيمتكن ليست مرهونة بالآخرين ولا بوجهات نظرهم الضيقة، وليكن ارتداءكن للحجاب فخر لكن، وأرين العالم تألقكن. تذكرن أن تعليمكن هو تمرد على التمييز وشهادة على أنه ليس بوسع سياسة كائنة ما كانت أن تطفئ شعلة إمكاناتكن.
ورسالتي للحكومات وقادة العالم، هي الدعوة إلى العمل بكل وضوح، وأقول لهم استثمروا في التعليم، وبالأخص في تعليم الفتيات، فهو استثمار لرخاء الأمم، وتخلصوا من السياسات التمييزية، سواء في مناطق النزاع أو في المجتمعات التي تدعي القيم العلمانية، فالتزامكم بالتعليم هو إرث قيادتكم.
لقد آن أوان بلورة الخطابات الى أفعال، وضمان الحكومات لحصول كل فتاة على تعليم جيد أياً كانت ظروفها، فمستقبل الأمم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتعليم نسائها وبناتها. تبنوا سياسات التمكين لا القهر، ولتتكفلوا بدعم المعلم وضمان أن تكون المدارس هي ملاذات المعارف لا ساحات المعارك.
أما رسالتي للمجتمع الدولي، فهي ان نقف معًا كمدافعين عن التغيير لأن صوتنا الجماعي هو القوة التي بمقدورها كسر الحواجز وخلق الفرص، وعليه دعم المبادرات التي توفر الموارد التعليمية في مناطق النزاع، والتصدي للقوانين التمييزية، والدفاع عن قضية التعليم للجميع.
ختاماً، أقول للجميع لقد آن الأوان، والرحلة نحو التعليم هي رحلة نحو التمكين والمساواة ومستقبل أكثر إشراقا. فلنكن نحن مهندسو التغيير، ولننحت عالماً بمقدور كل فتاة فيه ان تسعى لتحقيق أحلامها دون أن يثقل كاهلها التمييز أو الصراع.
شكرًا لكم جميعاً على تفانيكم، وعلى صمودكم، وعلى التزامكم بعالم لا يعرف فيه التعليم حدودًا. دعونا سوياً نكتب فصلًا جديدًا تستطيع فيه كل فتاة - أياً كانت ظروفها - أن تقف شامخةً، متسلحة بالمعرفة، وجاهزة لتشكيل المستقبل.